الأمراض النفسية

الإدمان السلوكي: ما هو، العلامات وتأثيره على الجسد والعقل

بعض السلوكيات قد تُحفّز نظام المكافأة في الدماغ وتتحول إلى إدمان. ويمكن أن تكون الآثار السلبية الناتجة عن الإدمان السلوكي مشابهة لتلك المرتبطة باضطرابات تعاطي المواد المخدرة.

ما هو الإدمان السلوكي؟

يُعرَّف الإدمان السلوكي بأنه “رغبة شديدة في تكرار سلوك معين يمنح شعورًا بالمتعة أو يُعتقد أنه يحسّن الشعور بالرفاهية أو يُخفف من ضيق نفسي معين”. وما يجعل بعض السلوكيات تُصنف كإدمانية هو صعوبة التوقف عنها أو تقليل ممارستها لدى الشخص المتأثر بها.

من العوامل المحفزة للإدمانات السلوكية، الشعور المؤقت بانخفاض الاكتئاب أو القلق، مما يجعل هذه السلوكيات تبدو وكأنها وسيلة منطقية لتحقيق الهدوء أو السعادة. على سبيل المثال، إدمان القمار يُنشط مناطق في الدماغ مشابهة لتلك التي تنشطها بعض المواد المخدرة، مما يمنح اللاعب دفعة من الدوبامين.

كما يؤثر إدمان الجنس على الدماغ بطرق مشابهة لإدمان القمار، ويمكن أن يكون الانضمام إلى برنامج مكوّن من 12 خطوة علاجية خيارًا فعّالًا، تمامًا كما هو الحال في علاج تعاطي المخدرات. وقد يُعقد إدمان الجنس أو المواد الإباحية العلاقات السليمة، وقد يؤدي إلى حمل غير مرغوب فيه أو الإصابة بعدوى منقولة جنسيًا.

غالبًا ما يواجه الشخص صعوبة في التحكم في سلوكه الجنسي، وقد يشعر بعدها بالخجل أو الندم. عدم القدرة على التوقف عن السلوك القهري المرتبط بالإدمان السلوكي يُعد مؤشرًا واضحًا على وجود إدمان محتمل.

أنواع الإدمان السلوكي

يمكن أن يُطوّر الفرد الإدمان السلوكي، ويشبه الأمر إلى حد كبير الاعتماد على المخدرات والكحول، كوسيلة لمواجهة القلق أو الاكتئاب أو غيرها من الاضطرابات النفسية.

على الرغم من أن تزايد تعاطي المخدرات والكحول يُشير إلى إساءة استخدام المواد الضارة من قبل العديد من الأشخاص، إلا أن البعض لا يأخذ بعين الاعتبار الإدمانات غير المرتبطة بالمواد، مثل إدمان الطعام، أو الهاتف، أو مواقع التواصل الاجتماعي، أو ألعاب الفيديو، والتي غالبًا ما تظهر على شكل إدمان سلوكي نتيجة اضطرابات نفسية كامنة.

الأشخاص الذين يُدمنون أنشطة معينة غالبًا ما يسعون وراء مشاعر الراحة والسعادة أو إفرازات كيميائية في الدماغ مثل الدوبامين والسيروتونين، أو قد ينخرطون في هذه السلوكيات للهروب من الواقع أو من مشاعر مؤلمة. من أكثر أنواع الإدمان السلوكي شيوعًا:

  • إدمان الجنس
  • إدمان القمار
  • إدمان الإنترنت
  • إدمان التسوق
  • إدمان الشاشات
  • إدمان جراحات التجميل
  • نوبات الأكل المفرط / إدمان الطعام
  • السعي وراء الإثارة والمخاطرة

وبالرغم من أن هذه الأنواع تُعد من الأكثر شيوعًا، إلا أن هناك أنواعًا أخرى تُصنَّف أيضًا ضمن الإدمان السلوكي، مثل: السرقة القهرية (الكلبتومانيا)، إدمان الحب والعلاقات، الإفراط في العمل، قضم الجلد أو الشعر بشكل قهري، الاستخدام المفرط للتلفاز، والتمارين الرياضية الزائدة عن الحد.

هل يُعتبر الإدمان السلوكي خطير؟

بحسب المكتبة الوطنية الأمريكية للطب، فإن الإدمان السلوكي “يُشبه إدمان تعاطي المواد المخدرة” من حيث تأثيرها على الدماغ واستجابتها لطرق العلاج المعروفة للإدمان.

غالبًا ما يواجه الأشخاص المصابون بهذا النوع من الإدمان صعوبة في مقاومة الرغبة أو الإغراء للتقليل من السلوك الإدماني أو التوقف عنه، حيث يشعرون بالإثارة قبل القيام بالسلوك، ويشعرون بالمتعة أثناء ممارسته.

ومن المؤشرات المثيرة للقلق أيضًا، الشعور بالذنب أو الإحراج بعد الانتهاء من الفعل، وهو ما يشبه تمامًا ما يمر به من يُسيئون استخدام المواد المخدرة.

فالأشخاص الذين يُعانون من إدمان المواد المُخدرة يجدون صعوبة شديدة في مقاومة رغبتهم في التعاطي، ويشعرون بالمتعة أثناء الاستخدام، ثم يتبع ذلك إحساس بالخجل، وقد يصل بهم الأمر إلى إخفاء الأمر أو الكذب بشأنه.

ونظرًا لأن الإدمان السلوكي تؤثر على الجزء المسؤول عن المكافآت في الدماغ، فإن تأثيرها قد يكون مشابهًا لما يشعر به من يتعاطى المخدرات. وقد تظهر هذه التأثيرات في شكل علاقات مضطربة، صعوبة في السيطرة على الدوافع، هوس بالأمر، تشتت في التركيز، أو حتى مشاكل مالية.

لذلك، فإن طرق العلاج المستخدمة في حالات تعاطي المواد المخدرة قد تكون فعّالة أيضًا في علاج الإدمان السلوكي. فقد تُفيد برامج العلاج ذات الـ 12 خطوة، بالإضافة إلى استخدام أدوية القلق أو الاكتئاب إذا كانت تلك المشاعر من الأسباب الجذرية للإدمان السلوكي.

كما يمكن أن تساعد أساليب إضافية مثل التأمل، واستراتيجيات SMART Recovery™، والاستشارات النفسية المتخصصة في الإدمان، في تحسين حالة من يُعانون من هذا النوع من الإدمان.

علامات الإدمان السلوكي

ممارسة بعض الأنشطة مثل القمار أو ألعاب الفيديو لا تعني بالضرورة وجود إدمان، ولكن إذا بدأت هذه الأنشطة تؤثر على الحياة اليومية وتُستخدم كوسيلة للهروب من مشاكل نفسية أو عاطفية كامنة، فقد يكون من الضروري التوقف والتفكير.

يحدث الإدمان عندما يحتاج الشخص إلى كميات كبيرة أو تعرض مستمر للمحفز الذي يسبب له المتعة. فالشخص المصاب بالإدمان السلوكي يسعى باستمرار للشعور بالإثارة أو دفعة الإندورفين من خلال ممارسة النشاط بشكل متكرر ومتزايد.

ويُصبح الإدمان السلوكي خطيرًا عندما لا يستطيع الشخص التوقف عن هذا السلوك أو السيطرة عليه. من أبرز علامات الإدمان السلوكي – دون أن تقتصر عليه – ما يلي:

  • عدم القدرة على التوقف عن السلوك أو السيطرة عليه.
  • الشعور بالخجل أو الإحراج بعد ممارسة النشاط.
  • الاستمرار في ممارسة السلوك الإدماني رغم معرفة تأثيره السلبي على الجسد والعقل.
  • اللجوء إلى المخاطرة أو الأنشطة الخطرة بشكل متزايد بحثًا عن الإثارة.
  • الحاجة إلى تكرار النشاط بوتيرة أعلى للحصول على نفس الشعور الذي كان يشعر به سابقًا.
  • الشعور برغبة شديدة أو “اشتهاء” للقيام بالنشاط.
  • استخدام النشاط بالتزامن مع تعاطي المخدرات أو الكحول.
  • تبرير ممارسة النشاط كطريقة للتعامل مع صدمة أو حالة نفسية سيئة بدلًا من طلب المساعدة المهنية.

في حالات مثل إدمان القمار أو التسوق، قد يُعاني الشخص من عواقب مالية خطيرة، خاصةً إذا بدأ في طلب الدعم المالي من أفراد الأسرة أو الأصدقاء. وقد يقوم بإفراغ بطاقاته الائتمانية أو الوقوع في ديون متراكمة بسبب الإدمان.

أما في حالات إدمان ألعاب الفيديو أو الهاتف، فقد يتسبب الإدمان السلوكي في إضعاف العلاقات المقربة نتيجة التشتت واستخدام هذه الوسائل كمهرب من الضغوط اليومية أو الشعور بالوحدة والفراغ.

وفي حال الشعور بالقلق من وجود إدمان سلوكي، يُنصح بالتواصل مع جهة متخصصة في العلاج للحصول على المساعدة المناسبة.

هناك أمل في التعافي

رغم أن السيطرة على السلوكيات القهرية قد تبدو صعبة أو مستحيلة، إلا أن هناك العديد من الخيارات المتاحة للتعافي. تبدأ الخطوة الأولى بالاعتراف بالتحديات التي يمكن أن يُسببها الإدمان السلوكي، إلى جانب الإقرار بالحاجة إلى المساعدة. هذا الاعتراف يُعد بداية حقيقية نحو استعادة السيطرة على الحياة.

بعد اتخاذ هذه الخطوة الأولى نحو التعافي، ستجد أن الدعم متوفر، سواء من خلال المختصين أو البرامج العلاجية. ويمكنك اليوم التعرف على المزيد من خيارات العلاج النفسي المتاحة عبر الإنترنت، والتي قد تُساهم في بدء رحلة الشفاء والتغيير الإيجابي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى